وهذا أبو شعيب القلّال، في تقريب مويس له وأنسه به، وفي إحسانه إليه، مع سخاته «١» على المأكول، وغضّ طرفه عن الأكيل، وقلة مبالاته بالحفظ، وقلة احتفاله بجمع الكثير، سئل عنه أبو شعيب، فزعم أنه لم ير قطّ أشحّ منه على الطعام. قيل: وكيف؟ قال: يدلّك على ذلك أنه يصنعه صنعة، ويهيئه تهيئة من لا يريد أن يمس، فضلا على غير ذلك. وكيف يجترىء الضرس على إفساد ذلك الحسن، ونقض ذلك النظم، وعلى تفريق ذلك، وقد علم أن حسنه يحشم «٢» ، وأن جماله يهيّب منه. فلو كان سخيا لم يمنع منه بهذا السلاح، ولم يجعل دونه الجنن. فحوّل إحسانه إساءة، وبذله منعا واستدعاءه إليه نهيا.
قال: ثم قيل لأبي الحارث جميّن: كيف وجه محمد بن يحيى على غذائه؟ قال: أما عيناه فعينا مجنون. وقال فيه أيضا: لو كان في كفه كر «٣» خردل، ثم لعب به لعب الأبليّ «٤» بالأكرة «٥» ، لما سقطت من بين أصابعه حبة واحدة. وقيل له أيضا: كيف سخاؤه على الخبز خاصة؟
قال: والله لو ألقي اليه من الطعام بقدر ما إذا جدس، نزف السحاب لوثرّ «٦» ، ما تجافى عن رغيف.