أمّه، ومعها كوز «١» فارغ، فقالت:«قالت أمك: بلغني أنّ عندك مزمّلة «٢» ، ويومنا يوم حارّ، فابعث إليّ بشربة منها في هذا الكوز» قال:
«كذبت! أمي أعقل من أن تبعث بكوز فارغ ونردّه ملآن. إذهبي فاملئيه من ماء حبّكم، وفرّغيه في حبنا «٣» ، ثم املئيه من ماء مزمّلتنا، حتى يكون شيء بشيء» .
وقال المكّي: فإذا هو يريد أن تدفع جوهرا بجوهر، وعرضا بعرض، حتى لا تربح أمه إلا صرف ما بين العرضين الذي هو البرد والحرّ، فأما عدد الجواهر والأعراض، فمثلا بمثل.
وقال المكّيّ: دخلت عليه يوما، وإذا عنده جلّة «٤» تمر، وإذا ظئره «٥» جالسة قبالته فكلما أكل تمرة رمى بنواتها إليها، فأخذتها فمصّتها ساعة ثم عزلتها. فقلت للمكي: أكان يدع على النواة من جسم التمر شيئا؟
قال: والله لقد رأيتها لاكت نواة مرة بعد أن مصتّها، فصاح بها صيحة، لو كانت قتلت قتيلا ما كان عنده أكثر من ذلك. وما كانت إلا في أن تبادله الإعراض وتسلّم إليه الجوهر. وكانت تأخذ حلاوة النواة، وتودعها ندوة الريق.
[طرائف أبي قطبة:]
قال الخليل: كان أبو قطبة يستغلّ ثلاثة آلاف دينار. وكان من البخل يؤخرّ تنقية بالوعته إلى يوم المطر الشديد، وسيل المتاعب،