قال اسماعيل بن غزوان: لله در الكندي! ما كان أحكمه وأحضر حجّته، وأنصح جيبه وأدوم طريقته! رأيته وقد أقبل على جماعة ما فيها إلا مفسد، أو من يزيّن الفساد لأهله، من شاعر بودّه أن الناس كلّهم قد جاوزوا حدّ المسرفين إلى حدود المجانين، ومن صاحب تفقيع «١» واستئكال، ومن ملّاق متقرّب، فقال:
«تسمّون من منع المال من وجوه الخطأ، وحصّنه خوفا من الغيلة «٢» ، وحفظه إشفاقا من الذلّة بخيلا، تريدون بذلك ذامه وشينه «٣» وتسمّون من جهل فضل الغنى، ولم يعرف ذلّة الفقر، وأعطى في السرف، وتهاون بالخطأ، وابتذل النعمة «٤» ، وأهان نفسه بإكرام غيره جوادا، تريدون بذلك حمده ومدحه؟ فاتهموا على أنفسكم من قدّمكم على نفسه. فإنّ من أخطأ على نفسه، فهو أجدر أن يخطيء على غيره، ومن أخطأ في ظاهر دنياه وفيما يوجد في العين، كان أجدر أن يخطيء في باطن دينه وفيما يوجد بالعقل. فمدحتم من مدح صنوف الخطأ، وذممتم من جمع صنوف الصواب. فاحذروهم كلّ الحذر ولا تأمنوهم على حال» .
قال اسماعيل: وسمعت الكنديّ يقول:
«إنما المال لمن حفظه، وإنما الغنى لمن تمسّك به «٥» . ولحفظ المال بنيت الحيطان. وعلّقت الأبواب واتخذت الصناديق، وعملت الأقفال،