للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيه حيلة. وكل متلّون في الأرض فمنحل العقد، ميسّر لكل ربح.

فدع عنك خلطة الإمّعة، فإنه حارض «١» لا خير فيه، واجتنب ركوب الجموع فإن غايته قبل الذواق. ولا خير في المتلوّن ذي البدوات، ولا في الحرون «٢» ذي التصميم. والمتلوّن شرّ من المصمم، إذ كنت لا تعرف له حالا يقصد إليها، ولا جهة يعمل عليها. ولذلك صار العاقل يخدع العاقل، ولا يخدع الأحمق، لأن أبواب تدبير العاقل وحيله معروفة، وطرق خواطره مسلوكة، ومذاهبه محصورة معدودة، وليس لتدبير الأحمق وحيلة جهة واحدة، ومن أخطأها كذب، والخبر الصادق عن الشيء الواحد واحد، والخبر الكاذب عن الشيء الواحد لا يحصى له عدد، ولا يوقف منه على حد. والمصمم قتله بالإجهاز، والمتلوّن قتله بالتعذيب.

فإن قلنا فليس إليه نقصد، وإن احتججنا فلسنا عليه نرد. ولكنا إليك نقصد بالقول، وإليك نريد بالمشورة. وقد قالوا: «إحفظ سرّك، فإن سرّك من دمك» . وسواء ذهاب نفسك وذهاب ما به يكون قوام نفسك. قال المنجاب العنبري: «ليس بكبير ما أصلحه المال» . وفقد الشيء الذي به تصلح الأمور أعظم من الأمور، ولهذا قالوا في الإبل:

«لو لم يكن فيها إلا أنها رقوء الدم «٣» » ، فالشيء الذي هو ثمن الإبل وغير الإبل أحق بالصون. وقد قضوا بأن حفظ المال أشدّ من جمعه.

ولذلك قال الشاعر:

وحفظك مالا قد عنيت بجمعه ... أشد من الجمع الذي أنت طالبه

<<  <   >  >>