ولذلك قال مشتري الأرض لبائعها، حين قال له البائع:«دفعتها «١» إليك بطيئة الإجابة، عظيمة المؤونة» قال:«دفعتها إليك بطيئة الإجتماع، سريعة التفرق» .
والدرهم هو القطب الذي تدور عليه رحى الدنيا. واعلم أن التخلّص من نزوات «٢» الدرهم وتفلته والتحرز من سكر الغنى، وتقلبه شديد، فلو كان إذا تفلت كان حارسه صحيح العقل، سليم الجوارح، لردّه في عقاله، ولشده بوثاقه. ولكنا وجدنا ضعفه عن ضبطه، بقدر قلقه في يده. ولا تغتّر بقولهم:
«مال صامت»«٣» ، فإنه أنطق من كل خطيب، وأنمّ من كل نمّام. فلا تكترث بقولهم:«هذين الحجرين «٤» » ، وتتوهم جمودهما وسكونهما، وقلة ظعنهما، وطول إقامتهما، فإن عملهما وهما ساكنان، ونقضهما للطبائع، وهما ثابتان، أكثر من صنيع السّم الناقع «٥» ، والسبع العادي. فإن كنت لا تكتفي بصنعة حتى تفقده، ولا تحتال فيه حتى تحتال له، فالقبر خير لك من الفقر، والسجن خير لك من الذل.
وقولي هذا مرّ يعقب حلاوة الأبد، وقول أبي العاص حلو يعقب مرارة الأبد. فخذ لنفسك بالثقة، ولا ترض أن يكون الحرباء الراكب العود أحزم منك، فإن الشاعر يقول:
أنّى أتيح لها حرباء تنضبة ... لا يرسل الساق إلا ممسكا ساقا «٦»