للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واحذر أن تخرج من مالك درهما، حتى ترى مكانه خيرا منه. ولا تنظر إلى كثرته، فإن رمل عالج «١» لو أخذ منه، ولم يرّد عليه، لذهب عن آخره.

إن القوم قد أكثروا في ذكر الجود وتفضيله، وفي ذكر الكرم وتشريفه، وسمّوا السرف جودا وجعلوه كرما. وكيف يكون كذلك وهو نتاج ما بين الضّعف والنفج «٢» ؟ وكيف والعطاء لا يكون سرفا إلا بعد مجاوزة الحق، وليس وراء الحق إلى الباطل كرم؟ وإذا كان الباطل كرما كان الحق لؤما. والسرف، حفظك الله، معصية، وإذا كانت معصية الله كرما، كانت طاعته لؤما. ولئن جمعهما إسم واحد، وشملهما حكم واحد (ومضادة الحق للباطل، كمضادة الصدق للكذب، والوفاء للغدر، والجور للعدل، والعلم للجهل) ليجمعن هذه الخصال اسم واحد، وليشملنها حكم واحد.

وقد وجدنا الله عاب السرّف، وعاب الحميّة «٣» ، وعاب العصبية، ووجدناه قد خص السرف بما لم يخص به الحمية، لأنه ليس حب المرء لرهطه من العصبية، ولا أنفته من الضيم من حمية الجاهلية. وإنما العصبيّة ما جاوز الحق، والحمية المعيبة ما تعدى القصد. فوجدنا اسم الأنفة قد يقع محمودا ومذموما وما وجدنا اسم العصبية ولا اسم السرف يقع أبدا إلا مذموما «٤» وإنما يسرّ باسم السرف جاهل لا علم له، أو رجل إنما يسر به لأن أحدا لا يسميه مسرفا، حتى يكون عنده قد جاوز حدّ الجود، وحكم له بالحق، ثم أردفه بالباطل. فإن سرّ من غير هذا الوجه، فقد شارك المادح في الخطأ، وشاكله في وضع الشيء في غير موضعه.

<<  <   >  >>