الخبز وكثرته كثير ربح. والناس يبخلون من قلّ عدد خبزه، ورأوا أرض خوانه. وعلى أني أرى جماجم من يأكل معك أكثر من عدد خبزك. وأنت لو لم تتكلّف، ولم تحمل على مالك بإجادته والتكثير منه، ثم أكلت وحدك، لم يلمك الناس، ولم يكترثوا لذلك منك، ولم يقضوا عليك بالبخل ولا بالسخاء، وعشت سليما موفورا، وكنت كواحد من عرض الناس «١» . وأنت لو لم تنفق الحرائب «٢» وتبذل المصون «٣» ، إلا وأنت راغب في الذكر والشكر، وإلا لتحرز الأجر، فقد صرنا لقلة عدد خبزك من بين الأشياء، نرضى لك الغنيمة بالإياب، ومن غنم الحمد والشكر، بالسلامة من الذم واللوم. فزد في عدد خبزك شيئا، فإنّ بتلك الزيادة القليلة ينقلب ذلك اللوم شكرا وذلك الذم حمدا. أعلمت أنك لست تخرج من هذا الأمر بعد الكلفة العظيمة سالما، لا لك ولا عليك؟ فانظر في الأمر رحمك الله! قال: يا أبا عثمان، أنت تخطيء، وخطأ العاقل أبدا يكون عظيما، وإن كان في العذر قليلا. لأنه إذا أخطأ أخطأ بنيقة وإحكام «٤» . فعلى قدر التفكّر والتكلّف يبعد من الرشاد «٥» ويذهب عن سبيل الصواب.
وما أشك أنك قد نصحت بمبلغ الرأي منك. ولكن خف ما خوّفتك، فإنه مخوف. بل الذي أصنع أدلّ على سخاء النفس بالمأكول، وأدل على الاحتيال ليبالغوا؛ لأن الخبز إذا كثر على الموائد، ورّث ذلك النفس صدودا «٦» ، وكل شيء من المأكول وغير المأكول، إذا ملأ العين، ملأ