قبض على القفا فانتزع الجانبين جميعا. فأقبل عليّ فقال:«والسدري يعجبه الإقفاء» ، فما فرغ من كلامه إلا والسدريّ قد اجترف المتن كله، فقال:«يا أبا عثمان والسدري يعجبه المتون» ، ولم يظن أن السدري يعرف فضيلة ذنب الشّبوط «١» وعذوبة لحمه، وظنّ أنه سيسلم له، وظن معرفة ذلك من الغامض، فلم يدر إلا والسدري قد اكتسح ما على الوجهين جميعا. ولولا أن السدري أبطره وأثقله وأكمده وملأ صدره وملأه غيظا لقد كان أدرك معه طرفا، لأنه كان من الأكلة. ولكن الغيظ كان من أعوان السدري عليه.
فلما أكل السدري جميع أطايبها. وبقي هو في النظارة، ولم يبق في يده ما كان يأمله في تلك السمكة إلا الغيظ الشديد والغرم الثقيل، ظنّ أن في سائر السمكة ما يشبعه ويشفي من قرمه. فبذلك كان عزاؤه، وذلك هو الذي كان يمسك بأرماقه «٢» وحشاشات نفسه. فلما رأى السدري يفري الفريّ «٣» ويلتهم التهاما قال: «يا أبا عثمان، السدري يعجبه كل شيء» . فتولّد الغيظ في جوفه، وأقلقته الرّعدة. فخبثت نفسه، فما زال يقيء ويسلح «٤» . ثم ركبته الحمّى.
وصحت توبته وتمّ عزمه، في أن لا يؤاكل رغيبا أبدا ولا زهيدا، ولا يشتري سمكة أبدا رخيصة ولا غالية، وإن أهدوها إليه أن لا يقبلها، وإن وجدها مطروحة لا يمسّها.
فهذا ما كان حضرني من حديث ابن أبي المؤمّل. وقد مات. عفا الله عنا وعنه.