لوجدتموها سريعة القبول. وقد يأكل الناس القتّ قدّاحا، والشعير فريكا «١» ، ونوى البسر «٢» الأخضر، ونوى العجوة «٣» . فإنما بقيت الآن عليكم عقبة واحدة؛ لو رغبتم في الدفء لا لتمستم الشحم؛ وكيف لا تطلبون شيئا يغنيكم عن دخان الوقود، وعن شناعة السكر، وعن ثقل الغرم. والشحم يفرّج القلب. ويبيّض الوجه. والنار تسوّد الوجه؛ أنا أقدر أن أبتلع النوى وأعلفه الشاء. ولكني أقول ذلك بالنظر مني لكم.
وكان يقول: كلوا الباقلّي «٤» بقشوره. فان الباقلي يقول: من أكلني بقشوري فقد أكلني، ومن أكلني بغير قشوري فأنا الذي آكله. فما حاجتكم إلى أن تصيروا طعاما لطعامكم، وأكلا لما جعل أكلا لكم؟
وكان يعيّن مالا عظيما، ولم يكن له وارث. فكان يسخر ببعضهم، فيقول عند الإشهاد:«قد علمتم أنه لا وارث لي، فإذا متّ فهذا المال لفلان» . فكان قوم كثير يحصرصون على مبايعته لهذا. وقد رأيته أنا زمانا من الدهر، ما رأيته قط إلا ونعله في يده أو يمشي طول نهاره في نعل مقطوعة العقب، شديدة على صاحبها. قال: فهؤلاء المجوس يرتعون البصرة وبغداد وفارس والأهواز والدنيا كلها بنعال سندية «٥» ، فقيل له:
إن المجوسيّ لا يستحل في دينه المشرّكة، فأنت لا تجده أبدا إلا حافيا أو لا بسا نعلا سندية. وأنت مسلم ومالك كثير. قال: فمن كان ماله كثيرا فلا بد له من أن يفتح كيسه للنفقات وللسرّاق؟ قالوا: فليس بين هاتين منزلة؟.