العصب الذي فيه الحسّ، وبه قوام البدن؛ وإنما القلب باب العقل؛ كما أن النفس هي المدركة؛ والعين هي باب الألوان؛ والنفس هي السّامعة الذائقة؛ وإنما الأنف والأذن بابان. ولولا أن العقل في الرأس لما ذهب العقل من الضربة تصيبه، وفي الرأس الحواس الخمس» . وكان ينشد.
قول الشاعر «١» :
إذا ضربوا رأسي، وفي الرأس أكثري ... وغودر عند الملتقى ثمّ سائري
وكان يقول:«الناس لم يقولوا: هذا رأس الأمر، وفلان رأس الكتيبة، وهو رأس القوم، وهم رؤوس الناس وخراطيمهم وأنفهم، واشتقّوا من الرأس الرياسة والرئيس، وقد رأس القوم فلان، إلا والرأس هو المثل وهو المقدّم» .
وكان إذا فرغ من أكل الرأس عمد إلى القحف «٢» وإلى اللحيين فوضعه بقرب بيوت النمل والذرّ، فإذا اجتمعن فيه أخذه فنفضه في طست فيها ماء، فلا يزال يعيد ذلك في تلك المواضع، حتى يقلع أصل النمل والذرّ من داره؛ فإذا فرغ من ذلك ألقاه في الحطب، ليوقد به سائر الحطب.
وكان إذا كان يوم الرؤوس أقعد ابنه معه على الخوان. إلا أن ذلك بعد تشرّط طويل، وبعد أن يقف له على ما يريده. وكان فيما يقول له:«إياك ونهم الصبيان، وشره الزرّاع، وأخلاق النوائح «٣» . ودع عنك خبط الملّاحين والفعلة «٤» ، ونهش الأعراب والمهنة «٥» . وكل من بين يديك، فإنما حظّك الذي وقع وصار أقرب إليك. وإعلم أنه إذا كان في