درّ الحارث إبن كلدة «١» حين زعم أن الدواء هو الأزم «٢» ، وأن الداء هو إدخال الطعام في إثر الطعام.
أي بنيّ! لم صفت أذهان العرب، ولم صدقت إحساس الأعراب، ولم صحّت أبدان الرهبان، مع طول الإقامة في الصوامع، وحتى لم تعرف النقّرس «٣» ولا وجع المفاصل ولا الأورام، إلا لقلة الرزء «٤» من الطعام، وخفة الزاد والتّبلغ باليسير؟
أي بنيّ! إن نسيم الدنيا وروح الحياة، أفضل من أن تبيت كظيظا وأن تكون بقصر العمر خليقا. وكيف لا ترغب في تدبير يجمع لك صحة البدن، وذكاء الذهن، وصلاح المعاد، وكثرة المال، والقرب من عيش الملائكة.
أي بنيّ! لم صار الضب «٥» أطول شيء عمرا، إلا لأنه إنما يعيش بالنسيم؟ ولم زعم الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن الصوم وجاء «٦» ، إلا ليجعل الجوع حجازا دون الشهوات؟ افهم تأديب الله فإنه لم يقصد به إلا الى مثلك.
أي بنيّ! قد بلغت تسعين عاما ما نغض لي سنّ، ولا تحرّك لي عظم، ولا انتشر لي عصب، ولا عرفت دنين أذن ولا سيلان عين، ولا سلس بول، ما لذلك علّة إلا التخفيف من الزاد. فإن كنت تحب