بلا زاد. فلو قالوا بدل قولهم:«فلان حسن الأكل» ، «فلان أقبح الناس أكلا» ، كان ذلك صلاحا للفريقين.
ولا يزال البخيل على الطعام قد دعا الرغيب «١» البطن، واتخذ له الطعام الطيّب، لينفي عن نفسه المقالة، وليكذّب عن نفسه تلك الظنون. ولو كان شدّة الضرس يعدّ في المناقب «٢» ويمدح صاحبه به في المجالس، لكانت الأنبياء آكل الخلق، ولخصّهم الله جلّ ذكره من الرغب بما لم يعطه أحدا من العالمين. وكيف وفي مأثور الحديث «إن المؤمن يأكل في معى واحد، وأن المنافق يأكل في سبعة أمعاء» . أولسنا قد نراهم يشتمون بالنهم وبالرّغب وبكثرة الأكل، ويمدحون بالزّهادة وبقلّة الطعم؟
أوليس قد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«من أدلّه على الحسناء القتين «٣» » ؟ وقد ساب «٤» رجل أيوب بن سليمان بن عبد الملك، فقال في بعض ما يسبّه:
«ماتت أمّك بغرا «٥» ، وأبوك بشما «٦» » .
وبعد فهل سمعتم بأحد قط فخر بشدة أكل أبيه، فقال:«أنا ابن آكل العرب» ؟ بل قد رأينا أصحاب النبيذ والفتيان يمتدحون بكثرة الشرب، كما يتدحون لقلّة الرّزء. وكذلك قالت العرب.
قال الشاعر:
تكفيه فلذة كبد إن الّم بها ... من الشّزء ويكفي شربه الغمر