وقد علمنا أن الجديد في موضعه دون الخلق؛ وقد جعل الله عزّ وجلّ لكل شيء قدرا وبوّأ له موضعا، كما جعل لكل دهر رجالا، ولكل مقام مقالا؛ وقد أحيا بالسمّ، وأمات بالغذاء، وأغصّ بالماء، وقتل بالدواء. فترقيع الثوب يجمع، مع الإصلاح التواضع، وخلاف ذلك يجمع، مع الإسراف، التكبر. وقد زعموا أن قلة العيال أحد اليسارين، وقد جبر الأحنف يد عنز، وأمر بذلك النعمان. وقال عمر: من أكل بيضة فقد أكل دجاجة، وقال رجل لبعض السادة: أهدي إليك دجاجة، قال: إن كان لا بدّ فاجعلها بيّاضة. وعد أبو الدرداء «١» العراق «٢» جزر البهيمة «٣» .
وعتموني حين قلت:«لا يغترّنّ أحد بطول عمره، وتقوّس ظهره، ورقة عظمه، ووهن «٤» قوته، أن يرى أكرومته، ولا يخرجه ذلك إلى إخراج ماله من يديه، وتحويله إلى ملك غيره، وإلى تحكيم السرف فيه، وتسليط الشهوات عليه، فلعلّه أن يكون معمرّا، وهو لا يدري، وممدودا له في السن وهو لا يشعر؛ ولعله أن يرزق الولد على اليأس، أو يحدث عليه بعض مخبّات الدهور، مما لا يخطر على البال، ولا تدركه العقول، فيستردّه ممن لا يرّده، ويظهر الشكوى إلى من لا يرحمه، أضعف ما كان عن الطلب وأقبح ما يكون به الكسب» . فعبتموني بذلك، وقد قال عمرو بن العاص:«اعمل لدنياك عمل من يعيش أبدا، واعمل لآخرتك من يموت غدا»«٥» .
وعبتموني حين زعمت أن التبذير الى مال القمار، ومال الميراث،