تكون في الدار، إن احتيج إليها استعملت، وإن استغني عنها كانت عدّة» .
وقد قال الحضين بن المنذر «١» : «وددت أن لي مثل أحد ذهبا لا أنتفع منه بشيء» . قيل:«فما ينفعك من ذلك» ؟ قال:«لكثرة من يخدمني عليه» .
وقال أيضا:«عليك بطلب الغنى، فلو لم يكن لك فيه إلا أنه عزّ في قلبك، وشبهة في قلب غيرك، لكان الحظ فيه جسيما، والنفع فيه عظيما» .
ولسنا ندع سيرة الأنبياء، وتعليم الخلفاء، وتأديب الحكماء، لأصحاب الأهواء. كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمر الأغنياء باتخاذ الغنم، والفقراء باتخاذ الدجاج. وقالوا:«درهمك لمعاشك، ودينك لمعادك» . فقسّموا الأمور كلها على الدين والدنيا، ثم جعلوا أحد قسمي الجميع، الدرهم. وقال أبو بكر الصديق رحمة الله عليه ورضوانه:«إني لأبغض أهل البيت ينفقون رزق الأيام في اليوم» ، وكانوا يبغضون أهل البيت اللحمين «٢» . وكان هشام يقول:«ضع الدرهم على الدرهم، يكّون مالا. ونهى أبو الأسود الدؤلي «٣» ، وكان حكيما أديبا، وداهيا أريبا، عن وجودكم هذا المولّد، وعن كرمكم هذا المستحدث، فقال لإبنه:«إذا بسط الله لك في الرزق فابسط، وإذا قبض فاقبض «٤» ، ولا تجاود «٥» الله، فإن الله أجود منك» . وقال:«درهم من حلّ يخرج في حق، خير من عشرة آلاف قبضا» . وتلقّط عرجدا «٦» من برم فقال: «تضيعون مثل هذا، وهو قوت امرىء مسلم يوما إلى الليل» ؟! وتلقط أبو الدرداء حبّات حنطة، فنهاه بعض المسرفين، فقال:«إيها، ابن العبسية، إن فقه المرء رفقه في معيشته» .