بالكذب علم رياؤه ومهانته، وعدم حياؤه وأمانته، وإن عاقد لم يوثق بعقده وإن واعد لم يسكن إلى وعده، وإن تظلم تسرع إليه التهمة، وإن تألّم تباعد عنه الرحمة. يقال: إذا كان الخبر محتملا للصدق والكذب فالحكم بأحدهما قبل الامتحان جور. يقال: لا يكن سمعك لأوّل مخبر ولا ثقتك لأوّل مجلس.
يقال: إنما يقضي بصدق الخبر عصمة المخبر لا صدقه. يقال: أما يخاف الكذوب أن يذوب. قيل: من صدقت لهجته، ظهرت حجّته. من قلّ صدقه، قلّ صديقه. قال رجل: لا أكذب كذبة بألف درهم، فقال جليسه: أمّا هذه فواحدة بلا درهم. قيل: إيّاك وحكاية ما تسمعه ليجد عدوّك سبيلا إلى تكذيبك.
قيل: الكذوب بين مهانة الدنيا وعذاب الآخرة. بعضهم: لو لم أترك الكذب تأثّما لتركته تكرّما. بعض الحكماء: لا تأمن بمن كذب لك أن يكذب عليك.
خطب الحجاج يوما فأطال، فقام رجل وقال: الصلاة الصلاة الوقت يمضي ولا ينتظرك يا أمير. فحبسه. فقال قومه: إنه مجنون. قال: إن أقرّ جنّته «١» .
فقيل له فقال: معاذ الله أن أقول ابتلاني وقد عافاني، فبلغه فعفا عنه لصدقه.
سكت أحنف عنده «٢» فقال: لم لا تتكلّم؟ فقال: أخافك إن صدقت، وأخاف الله إن كذبت. أوصى المسترشد ابنه عند وفاته فقال: يا بنيّ إن أردت المهابة فلا تكذب فإن الكاذب لا يهاب ولو حفّ به مائة ألف سيف. الأصمعيّ: قلت لأعرابيّ معروف بالكذب: أصدقت قطّ؟ قال: لولا أني أصدق في هذا القول لقلت لك لا. عباس لابنه عبد الله: إني أرى عمر يقدّمك على الشيوخ فاحفظ عني ثلاثا: لا تفشينّ سرّا، ولا تغتابنّ أحدا عنده، ولا تجرينّ عليه كذبة. قتيبة