للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

همّ المعاش، وتفرّد بهمّ آخرته. شعيب بن حرب: كنت إذا نظرت إلى الثوريّ رأيته كأنه رجل في أرض مسبعة خائف الدهر كلّه، وإذا نظرت إلى عبد العزيز بن أبي روّاد رأيته كأنه يطّلع إلى القيامة من كوّة. الأعمش: كنت إذا رأيت مجاهدا ظننت أنه خربندج «١» ضلّ حماره، وهو مغتمّ يتفكّر في أمر الآخرة. إبراهيم بن بشار: صحبت إبراهيم بن أدهم فرأيته طويل الحزن دائم الفكر واضعا يده على رأسه كأنما أفرغت عليه الهموم إفراغا.

عن داود صلوات الله عليه قال: إلهي أمرتني أن أطهّر قلبي ووجهي ويديّ ورجليّ، فبماذا أطهّر قلبي؟ قال: يا داود بالهموم والغموم. ليث بن الحكم:

الغموم التي تعرض للقلوب كفّارات للذنوب. أبقراط: للقلب آفتان: الغمّ يعرض منه النوم، والهمّ يعرض منه السّهر، لأن في الهمّ فكرا بما سيكون والغمّ لا فكر فيه. جالينوس: الهمّ فناء القلب، والغمّ مرضه. ثم بيّن وقال: الغمّ بما فات، والهمّ بما هو آت. لم يزل زكريا يرى ولده يحيى عليهما السّلام مغموما باكيا مشغولا بنفسه، فقال: يا ربّ طلبت منك ولدا أنتفع به، قال:

طلبته وليّا والوليّ لا يكون إلّا هكذا.

تزوّج مغنّ نائحة فسمعها تقول: اللهمّ أوسع علينا في الرزق، فقال: يا هذه إنما الدنيا فرح وحزن، وقد أخذنا بطرفي ذلك، إن كان فرح دعوني وإن كان حزن دعوك. نفقت دابّة (الجنديّ) «٢» فقيل له: لا تغتمّ فلعلّه خير، فقال: لو كان خيرا لكان حيّا وإلى جنبه بغل. سمع حكيم رجلا يقول لآخر: لا أراك الله مكروها، فقال: كأنك دعوت عليّ بالموت، فإنّ من كان في الحياة فلا بدّ وأن يرى مكروها. قيل:

<<  <   >  >>