تكون هذه المسائل ونحوها فرعية وتلك المسائل العملية أصولية.
(قال) وقيل: الأصل ما لا يجوز التعبد فيه إلا بأمر واحد معين والفرع
بخلافه.
(قلت) وهذا الفرق أفسد من الأول، فإن أكثر الفروع لا يجوز التعبد
فيها إلا بالمشروع على لسان كل نبي، فلا يجوز التعبد بالسجود للأصنام
وإباحة الفواحش وقتل النفوس والظلم في الأموال، وانتهاك الأعراض
وشهادة الزور ونحو ذلك، وإن كان نفاة التحسين والتقبيح يجوزون التعبد
بذلك، ويقولون يجوز أن تأتي الشرائع من عند الله تعالى بذلك، فقولهم
من أبطل الباطل، وقد ذكرنا فساده من أكثر من ستين وجهاً في غير هذا
الكتاب، وإنه مما يعلم بطلانه بالضرورة.
(قال) وقيل: الأصل ما يجوز أن يعلم من غير تقديم ورود الشرع
والفرع بخلافه، وهذا الفرق أيضاً في غاية الفساد، فإن أكثر المسائل التي
يسمونها أصولاً لم تعلم إلا بعد ورود الشرع، كاقتضاء الأمر للوجوب،
والنهي للتحريم، وكون القياس حجة، بل أكثر مسائل أصول الدين لم
تعلم إلا بالسمع، فجواز رؤية الرب تبارك وتعالى يوم القيامة واستواؤه على
عرشه بخلاف مسألة علوه فوق المخلوقات بالذات فإنها فطرية ضرورية،
وأكثر مسائل المعاد وتفصيله لا يعلم قبل ورود الشرع، ومسائل عذاب القبر
ونعيمه وسجل الملكين وغير ذلك من مسائل الأصول التي لا تعلم قبل
ورود الشرع.
وقال القاضي أبو بكر بن الباقلاني: كل مسألة يحرم الخلاف فيها مع
استقرار الشرع ويكون معتقد خلافها جاهلاً، فهي من الأصول، عقلية
كانت أو شرعية، والفرع ما لا يحرم الخلاف فيه أو ما لا يأثم المخطئ