المطلب الأول: خلاصة القول في تحرير الاصطلاحات الدائرة في باب التعليل بالحكمة، والتعليل بالمظنّة
تعليل الحُكم بالمظنّة/ العلة مصطلحٌ مقابلٌ لتعليله بالحكمة. وما يقتضيه أحدهما في تحديد المساحة الفروعية التي يغطّيها الحُكم المنصوص يختلف عمّا يقتضيه الآخر، سَعةً وضيقًا، طردًا وعكسًا.
فنهي المرأة عن السفر إلا بزوجٍ أو مَحْرَم - مثلًا - إذا عُلِّل بالمظنة المذكورة في الحديث، وهي السفر، يختلف فيما يقتضيه ويشمله من وقائع عمّا إذا عُلِّل بالحكمة المعقولة من النهي - كما رآها الشافعي وجماعة - وهي عدم الأمن على المرأة والخشية من أن يُعتدى عليها إذا لم يصحبها زوجٌ أو محرم (١):
فنوطُ الحكم بالمظنة (السفر) يقتضي تحريم سفر المرأة إلا مع الزوج والمحرم، حتّى لو وُجد الطريق الآمن، في حين أنّ نوطه بالحكمة (عدم الأمن) يقتضي جواز سفرها من دون محرم أو زوج إذا أمنت خطر الطريق، كأن تكون الطريق آمنة في نفسها بأمان البلد، أو تكون المرأة بصحبة غير الزوج والمحرم، كنساءٍ ثقات.
ومن جهةٍ أخرى يقتضي النوطُ بالحكمة تحريمَ تنقُّل المرأة بمفردها فيما دون مطلق السفر أو لم يبلغ المسافة التي عيّنها الفقهاء لأقلّ السفر، إذا كان هذا التنقل ينعدم فيه الأمن وكانت المرأة فيه عرضة للاعتداء والتحرّش، كما في بعض البلاد، في حين لا تقتضي المظنّة ذلك؛ لأنّ هذا التردّد وإن انعدم فيه الأمن فإنّه لا يدخل في مفهوم السفر.
وفيما يأتي رسمٌ يوضّح مواضع التباين ومواضع التقاطع بين دائرتي ما تقتضيه المظنّة وما تقتضيه الحكمة في مثال نهي المرأة عن السفر إلا بمحرم أو زوج.