للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المقدّمة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله ومن والاه، وبعد:

فإنّ علم مقاصد الشريعة بلغ مبلغًا عظيمًا هذه الأزمان، من حيث انتشارُ تناولِه، وكثرةُ المؤلّفات فيه، وهو علمٌ حقيق بالعناية والرعاية، عظيم الفائدة، كبير العائدة، ولاسيّما في تسديد النظر في القضايا الاجتهادية المعاصرة، لكنّه في الوقت نفسه مَزِلّة قدم إذا أُخذ بمعزلٍ عن أصله ومعدنِه، علمِ أصول الفقه، الذي اشتمل على آليّات تحديد المقاصد، وشروطها، وضوابط إعمالها. فالحقيقةُ التاريخية التي لا ينبغي إغفالها هي أنّ علم مقاصد الشريعة فرعٌ عن علم أصول الفقه، عنه انبثق ومنه اشتُق، ولا ينبغي للفرع أن يعود على أصله بالإبطال، وإلا أبطل نفسه.

وكثيرٌ من الخائضين في البحث المقاصدي، سيّما من غير المتخصّصين في الأصول، يندفعون بحماسٍ زائد مع المقاصد، أو ما يخالونها المقاصد، من غير تقيُّد بمقرّرات الأصوليين العتيدة في ضوابط تحديدها وإعمالها: إمّا جهلًا بهذه المقرّرات لوعورة مباحثها، ودقّتها، وكثرة الخلاف والخلط فيها في مباحث القياس من كتب الأصول، وإمّا إعراضًا عنها بقصد الالتفاف على الأحكام الشرعيّة التي تفيدها النصوص، وتعطيلِها بذريعة إعمال المقاصد، كما يظهر ذلك جليًّا في كتابات الحداثيين والعَلمانيين أصحاب القراءات الجديدة للنصوص الدينيّة.

وفي المقابل هناك طائفةٌ من أهل الشريعة «متحفِّظة» على علم المقاصد برمّته؛ لما تراه من تعسُّف في توظيفه والتذرّع به إلى الافتئات على الشريعة، وتعطيل ظواهرها ونصوصها ومقرّراتها، من قِبَل كثيرين، هم في الغالب دخلاء على العلوم الشرعيّة.

<<  <   >  >>