للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المكلف التعبُّد دون الالتفات إلى المعاني، وأصل العادات الالتفات إلى المعاني» (١)، ولكنّ هذه القاعدة غير مطّردة في التطبيق عند الفقهاء، إذ قد وجدنا أبا حنيفة، رحمه الله، يسترسل في تعليل العبادات بحِكَمٍ ومعانٍ مصلحية تعود على مظانّها بالتأثير توسيعًا وتضييقًا، مخالفًا بذلك مسلك الأئمة الثلاثة الآخرين، فمن ذلك مثلًا قولُه:

بجواز أداء القِيَم في الزكوات بالنظر إلى حكمة سدّ الحاجة (٢)،

وجواز إزالة النجاسة بغير الماء، بالنظر إلى حكمة التطهير (٣)،

وعدم اشتراطه النية في الوضوء ولا المولاة ولا الترتيب، لأن المقصود بالوضوء بالنص التطهير، {إنما يريد الله ليطهِّركم}، والأركان المذكورة لا هي منصوصة ولا هي مؤثّرة في حصول الحكمة أو انتفائها؛ إذ الحكمة حاصلة بها وبدونها (٤)،

وإجازته قولَ ما يدلّ على التعظيم في مكان تكبيرة الإحرام كالله أعظم والله أجلّ ونحو ذلك (٥)،

وأجرأ من هذا كلِّه إجازته - في ظاهر الرواية - قراءة القرآن بالمعنى وبغير العربية في الصلاة حتى للقادر على قراءته بالعربية، وذلك لأنّه أتى بالمعنى، وهو المقصود برأيه (٦).

ورغم وجاهة مذهب أبي حنيفة، رحمه الله، في بعض ما قال في هذه المسائل وأشباهها، فإن ذلك لا يلغي من وجهة نظرنا قاعدة الشاطبي ولا يبطلها عنده، فلا يمكن منه أن نقول: إن أبا حنيفة لا يعتمدها مطلقًا، وإنما حسبنا أن نقول هو أجرأ من باقي الأئمّة على تعليل الأحكام العبادية بغرض توسيعها والقياس عليها.

والحاصل أنّ لمجال الحُكم أثرًا لا ينكر في تعليله بالحكمة أو المظنة.


(١) الموافقات، ٢/ ٥١٣.
(٢) السرخسي، المبسوط، ٢/ ١٥٦.
(٣) المرجع السابق، ١/ ٦٦.
(٤) المرجع السابق، ١/ ٥٦.
(٥) المرجع السابق، ١/ ٣٦.
(٦) المرجع السابق، ١/ ٣٧.

<<  <   >  >>