انطلاقاً من أمْر الله لعباده جميعاً:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}(المائدة:٢).
فعن أبي مسعود عُقْبة بن عمرو الأنصاري البدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن دلّ على خيرٍ، فَلَه مثلُ أجْر فاعِله)).
وقال -صلى الله عليه وسلم- لأحد أصحابه:((لأنْ يهدي الله بك رجُلاً أحبُّ إليك من حُمْر النّعَم)).
هذا الصنف من الدّعاة لا يجب عليهم تتبّع عورات الآخَرين لزجْرهم، ولا التفتيش ولا التنقيب ولا التّحرِّي عمّن تستّر بالمعصية لنهيهم. وليس لهم حقّ المنْع باليد إلاّ لِمَن تحت إمْرتهم، كالزوجة والأبناء والخدم. أمّا غير ذلك فليس عليهم إلاّ إبداءُ النصح، والتّذكرة بعظم الذنب، وبيان مآثر الطاعة وعواقب المعصية. قال تعالى:{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ}(الغاشية:٢١، ٢٢).
وسورة (الغاشية) التي جاءت فيها هذه الآية، مِن السوَر المكية التي أمرت الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالتّذكرة فحسب، إذ إنه -صلى الله عليه وسلم- خلال دعوته بمكة لم يكن يَملك سوى سلاح الكلمة فقط. أمّا حينما انتقلت الدعوة إلى المدينة، وتأسّست الدولة الإسلامية، وبرزت عوامل التمكين والقوّة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، اتجهت الدعوة إلى وسائل التغيير باليد. وسوف نسوق أمثلة لذلك بين ثنايا هذه المحاضرات -إن شاء الله-.
القسم الثاني:
أن يكون الأمر بالمَعْروف والنهي عن المُنْكر من مهامّ الدولة في الإسلام، تُكلَّف به وجوباً شرعياً، وتعمل على وضْع القوانين واللوائح التي تُنظِّم القيام به، وتُعيِّن الدعاة الأكفاء من العلماء والفقهاء، لأداء هذا الواجب