أما إذا وجد المذكِّر تبرّماً وضيقاً، وصدوداً وإعراضاً، وقد يلحق به أذىً من جراء موعظته، فلْيمنعْ عن إبداء النصح، ولينسحب في هدوء؛ فكثيرٌ من الناس يتأفّفون من النصيحة ويضيقون ذرعاً بالتذكرة. وقد اشتكى نوح -عليه السلام- من ذلك الصنف من الناس، قال تعالى:{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلاَّ فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً}(نوح:٥ - ٩).
هذا النوع من الدعوة إلى الله، الذي يشمل الأمّة كلها، والأمّة مطالَبة به، لا يحتاج لإذنٍ من أحد، ولا يتوقّف على تصريح من هيئة أو جهة طالما وجَد الشخصُ في نفسه الكفاءة العلْمية، والقدرة على الإقناع، والشجاعة في إبداء الرأي، وتيقّن أنّ توجيهه وإرشاده لن يجرَّ عليه من العواقب السّيِّئة ما يفوق ما ترتّب على نصيحته من مصلحة. وعلى من يقوم بهذا الأمر: أن لا يتعاطى في مقابل دعْوته أجراً مادياً أو يطلب مكانة أدبية، فهو متطوِّع لوجْه الله تعالى،