الحُكم في الإسلام. وقد مكّن لهم النفوذ الأمريكي والأوروبي على العالَم الإسلامي بالاحتلال العسكري لبعض أقطاره، والسيطرة الاقتصادية على مُعظمه، ومحاولة زعزعة الثوابت الإٍسلامية وإحلال الثقافة والأخلاق الغربية محلّها، فأخذ هؤلاء البوم والغربان يُطِلُّون على الأمّة عبْر وسائل الإعلام، يثيرون الفِتن، ويشعلون نار الفرقة بين الأمّة وحُكّامها، مُنكرين في جهل وغباء أن يكون للإسلام دولة ذات نظامٍ مرتبطٍ بوحي السماء ورسالات الأنبياء، تُحقِّق للأمّة صلاح الدِّين وإصلاح الدنيا.
وضاق بعض الحُكّام بنصيحة العلماء والعقلاء من الأمّة. وغالى بعض الدعاة وقسَوْا في نُصحهم لوُلاة الأمْر، وتطاولوا عليهم، ونالوا منهم؛ فعظم الأمر، وجلّ الخطب، وتأجّجت نيران الفتن بخروج البعض، والنزوع للقتْل والتّخريب وترويع الآمِنين، وإهدار طاقات الأمّة. وما هذه الأحداث الدامية والمفجعة والمحزنة، التي روّعت أقطار العالَم الإسلامي، ومزّقت شعوبَه، وعصفت باستقلاله، وأهدرت قُدراته وثرواته، إلا بسبب الارتجال والتخبّط في قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لِحكّام الأمّة، وعدم وضع الضوابط الشرعية لها. وهذا ما يجب علينا توضيحه في هذه المحاضرات، إبراءً للذّمّة ونصحاً للأمة، وفقأً لأعْيُن كلِّ مَن يتطاول على الإسلام وشرائعه ونُظمه. وسوف يتناول هذا العنصر الموضوعات التالية:
أوّلاً: الإسلام دين ودولة:
وهذا أمْر يَفْرضه الدِّين، ويوجبه العقل والمنطق، للأسباب التالية:
١ - تنظيم العلاقات بين البشَر، ووضْع الأُطُر الشرعية والقانونية للحقوق والواجبات، والمحافظة على قواعد الدِّين، وإقامة الحدود، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، يوجب وجود دولةٍ قويّة على رأسها حاكم مرهوب الجانب، ليِّناً في غير ضعفٍ، قوياً من غير قسوة وغلظة.