ولقد ذكَر القرآن الكريم والسُّنّة النبوية الشريفة: أنّ الأنبياء والمرسلين كانوا ذوي حِرَف وأعمال يتكسّبون بها ويعيشون على مواردها؛ فداود -عليه السلام- كان حداداً، قال تعالى:{وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً}(سبأ:١٠).
ونوح -عليه السلام- كان نجاراً، قال تعالى:{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا}(هود:٣٧).
وروى مسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:((كان زكريّا نجّاراً)).
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:((ما بَعث الله نبياً إلاَّ ورعَى الغنَم))، قال الصحابة: وأنت؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة))، رواه البخاري.
وعلى هذا الدّرب سار سلَف هذه الأمّة وخلَفُها من العلماء والدّعاة، لا يطلبون أجراً ولا يستَجْدون ولا يتكسّبون بالدّعوة إلى الله.
يقول الحسن البصري:"لا يزال الرجُل كريماً على الناس حتى يطمع في دينارهم ودرهمهم، فإذا فعَل ذلك استخفّوا به وكرهوا حديثه".
هذا، وقد اختلف الفقهاء على حُكم تعاطي الأجْر على عمل الطاعات، وقد انقسموا إلى فريقيْن:
الأوّل: يرى عدم جواز أخْذ الأجر، بل يُحرِّم ذلك، واستدلّوا بقوله -سبحانه وتعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ}(البقرة:١٥٩).
قال الفخر الرازي في "تفسيره": "احتجّوا بهذه الآية على: أنه لا يجوز أخْذ الأجر على التعليم، لأن الآية لمّا دلت على وجوب التعليم فكان أخذ الأجر أخذاً على أداء الواجب، وأنه غير جائز".