وذهب الأحناف إلى هذا الرأي أيضاً فقالوا:"إن الإجارة على الطاعات لا تجوز، ويحرم اتّخاذ الأجر"، واستدلوا بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((اقرؤوا القرآن، ولا تأكلوا به)).
وبقوله -صلى الله عليه وسلم- لِعمرو بن العاص:((وإنِ اتُّخذْت مُؤذِّناً، فلا تأخُذْ على الأذان أجراً)).
وقال الحنابلة:"لا تصحّ الإجارة لأذان وإمامة، وتعليم وفقه وحديث، ولا يقع إلاّ قُربة لفاعله، ويحرُم أخذُ الأجْر عليه". وجوّزوا أخذ رزق من بيت المال أو مِن وقْف على عمل يتعدّى نفعُهُ، كقضاء وتعليم، وليس بعِوض، بل رزق للإعانة على الطاعة، ولا يُخرجه عن كونه قُربة، ولا يقدح في الإخلاص.
الفريق الثاني: يرى جواز أخْذ هذا الأجر؛ وهذا ما ذهب إليه: المالكيّة، والشافعية، وابن حزم.
قال ابن حزم:"والإجارة جائزة على تعليم القرآن، وعلى تعليم العلْم مشاهرة وجملة. ويستدلون على ذلك بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((إنّ أحقّ ما أخذْتُم عليه أجراً هو: كتاب الله)) "، رواه البخاري.
وقد جاء في "فتح الباري" ما يعضد هذا الرأي.
هذا، ومع قوّة الأدلة الشرعية من القرآن والسُّنّة وأفعال الصحابة، التي لا تجيز أخْذ عوضٍ مادي عن عمل الطاعات، ومنه الدّعوة إلى الله، إلاّ أنه يُرجَّح الرأي القائل بجواز أخْذ الأجر، ولا سيما في هذا العصر الذي نضَب فيه مَعين الخير، وشحّت الأنفس، واستشرى البخل والتقتير على الدعوة والدعاة، وتكاد علوم الشرع تندثر والدّعاة ينقرضون، مع الأخذ بفتوى من يجيز أخْذ الأجر؛ فكيف لو أخذنا بفتوى من لا يُجيز أخْذ الأجْر؟