للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى العلماء والمفكّرين أن يتساءلوا: أين ميزان الإخلاص في نتاجهم الفكري وآرائهم العلْميّة؟ وما هي طوايا نفوسهم؟ وإلى من يقصدون بأفكارهم؟

فعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من تعلّم علماً ممّا يُبتغى به وجْهُ الله -عز وجل-، لا يتعلّمه إلاّ لِيصيب به عَرَضاً من الدنيا، لم يجِدْ عَرْفَ الجنّة يوم القيامة))، رواه أبو داود بإسناد صحيح.

عَرْف الجنة، أي: ريحها.

أمّا إذا توجّه العلماء والدّعاة في ميدان العلْم والدّعوة، وهم يتجرّدون من شبهة الرياء والنفاق، ثم أُثنِيَ عليهم ولهجَتْ ألْسنة الناس بشكرهم، فإنّ هذا لا يُقلِّل من قيمة إخلاصهم؛ فعن أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- قال: قيل لِرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أرأيتَ الرّجُل يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه؟ قال: ((تِلك عاجِل بُشرى المؤمن))، رواه مسلم.

وعلى أولي الأمْر: أن يفتحوا قلوبهم ويمدّوا أيديهم للمخلصين الصادقين الذين يتوسّمون فيهم الإخلاص والصّدق، ولا يُبعدونهم عنهم ولا يتخلّصون منهم، قال تعالى: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (الأنعام:٥٢).

وقال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} (الكهف:٢٨).

إنّ قيمة المؤمن -ولا سيما الدّعاة إلى الله- لا تكمن في رفعة منصب أو علوّ منزلة، وإنما تكمن فيما يحمله قلبه من إخلاص، ينعكس هذا على ما يدعو إليه

<<  <   >  >>