الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وأستفتح بالذي هو خير.
وبعد:
فمنذ قدرلي الاتصال بالدراسات الأدبية أحسست في أعماقي هوى يشدني إلى الشعر الجاهلي، ويملي على إطالة الوقوف أمامه وإنعام النظر فيه، حتى غدا شغلي الشاغل، فوقفت عليه جهدي في أطروحتي الماجستير والدكتوراه، وما تزال الأواصر بيني وبينه موصولة، وما يزال شغفي به يزداد يوما بعد يوم.
ولعل ذلك راجع إلى أن الشعر الجاهلي هو القاعدة الصلبة، والينبوع الثر الذي يستمد منه الأدب العربي -على اختلاف عصوره وتنائي دياره- أسباب حياته: لما فيه من قيم جمالية أخاذة، ولأنه تعبير صادق عما استكن في أعماق قائله، وتصوير دقيق للبيئة العربية آنذاك، فلم يعرف قائله زيف العواطف، ولا تمويه القول، ومن ثم غدا المنارة الهادية التي انبثقت أضواؤها لتخترق غياهب العصور والأزمان، فإذا الأدب العربي كله على اتساع وقعته، وامتداد آفاقه يقبس من هذا النور، ويتخذه الأ نموذج والمثل.