للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[اتسام المدح بالصدق والواقعية]

...

كما أن زهيرًا في مديحه يتصف بالصدق والواقعية، فلا يصف إلا ما يجد، ولا يعبر إلا عما أحس, دون غلو أو شطط، كما وصفه عمر بن الخطاب بأنه كان لا يمدح الرجل إلا بما فيه، فإذا أحس أنه بالغ في مدحه، أو خرج فيه عن الحد المعقول الذي يدخله في باب المغالاة، أتى بما يجعله مقبولًا، فيسبق مدحه بلفظ لو ولولا ونحوهما؛ لأنهم كانوا يكرهون الإفراط الشديد في المبالغة ويعيبونه، فإذا تحرز المبالغ واستظهر فأورد شرطًا، أو جاء بكاد، وما يجري مجراها يسلم من العيب١, وهذا نحو قول زهير:

لو نال حيٌّ من الدنيا بمنزلة ... أفق السماء, لنالت كفه الأفقا

فحين أراد أن يقرب دعواه من العقل ذكر لفظ لو فاسترعى انتباه السامع وحمله على الإصغاء وكان ابن رشيق دقيقًا حين عبر عن هذه المبالغة عند زهير بأنه بلغ ما أراد من الإفراط وبنى كلامه على صحة٢, ومثل ذلك قوله في مدح هرم أيضا:٣

لو كنت من شيء سوى بشر ... كنت المنور ليلة البدر

وقوله:

فلو كان حمدًا يخلد الناس, لم تمت ... ولكن حمد الناس ليس بمخلد

هذا الاعتدال في الوصف، والصدق في المدح يرجع إلى طبيعة زهير


١ الصناعتين لأبي هلال العسكريك صـ ٣٥٥.
٢ العمدة: جـ ٦٤/٢.
٣ شرح ديوان زهير: صـ ٩٥.

<<  <   >  >>