وهل كان طرفة في لذاته هذه يمثل العصر الجاهلي بحيث نعتبره صورة لما كان سائدا آنذاك؟ أم أنه انفرد بذلك من دون عصره؟
الحق أن إحدى هذه اللذات تعد مظهرا من مظاهر الحياة الجاهلية السائدة، فقد كانت نجدة الصريخ ومساعدة الضعيف مما افتخر به العرب جميعا في جاهليتهم, وعد من مكارم الأخلاق, ولا زال ذلك حتى اليوم، أما اللذتان أو الأمنيتان الأخريان، فلم تكونا عامتين بل اختص بها بعض الشباب الماجن من الخلعاء والمياسير، كامرئ القيس والمهلهل وغيرهما، ولم تكن إحداهن خلقا عاما تعتز به القبائل، بدليل أن طرفة يصرح بأن قبيلته ضاقت بهذا السلوك، ولم ترض عنه وأفردته إفراد البعير المعبد.
على أن سلوك طرفة لم يكن سلوكا عفويا ساذجا، وليس صورة للعبث والهذيان وإنما هي دليل على حقيقة نفسية لم تسفر أو تتضح في شعره، فالقضية بالنسبة له قضية خلود، أي قضية الحياة والموت، ما جدوى عمرنا إذا كان الموت سيدركه، وما جدوى السعادة والمال، بل ما جدوى الحياة بما فيها إذا كان الموت سيحيلنا عنها، ولذلك أقبل على لذاته ينتهبها كما لجأ إلى الخمر يخدِّر بها وعيه لتخفف عن كاهله وطأه الوعي والإدراك.