والأبيات التي اخترناها تمثل فلسفة طرفة التي اعتنقها وآمن بها ودلل عليها، هذه الفلسفة مؤداها أن الموت هو نهاية الحياة، ولا شيء بعده، فعلى الإنسان أن يمتِّع نفسه ويشبع غرائزه وحاجاته بإنفاق ماله في ملذاته، وإلا فإنه يعذب نفسه عن غير طائل: وهو لا يكتفي بإعلان هذه الفلسفة، وإنما يدعو إلى اعتناقها، ويناقش لائِمِيه ويجادلهم، ويسوق لهم الدليل تلو الدليل على صحة هذه الفلسفة وصوابها، فهي فلسفة واعية قائمة على المنطق والإقناع والبرهان.
إنها فلسفة اللذة التي يحقق بها ذاته ويثبت وجوده، لأن الموت آت لا محالة، فهو الحقيقة التي روعته، والانتصار عليه إنما يكون بإنفاق ماله.
فلعل في تحقيق اللذة انتصار على الموت، ذلك أنه إذا كان الموت -كما تصوره الجاهلي- هو نهاية الوجود الإنساني، فإن الموقف الوجودي للشاعر الجاهلي إنما يبرز في تحديه للموت والفناء بالغوص عن لذائذها، لا حبا في اللذة بوصفها لذة، ولكن حبا في الحياة وتعلقًا بها، وكراهية في الفناء الذي تتوقف به ممارسة هذه اللذات:١
١ موسوعة الشعر العربي، اختارها وشرحها مطاع صفدي وإيليا حاوي: جـ ٣٨٦/٣.