القصيدة التي اخترنا منها هذه الأبيات جاءت من بحر البسيط ويجئ الشطر الواحد منه على وزن:
مستفعلن فاعلن، مستفعلن فعلن, وهو بحر عروضي يتسم بالجزالة والفخامة، ويغلب على المنظوم به قوة الأسر وروعة السرد، وصلابة الحبك، هذه المعاني كلها تجسدت في تلك النفثة الشعرية، سواء وهو يتغزل في مقدمتها، أو يصور حالته بعد فراق حبيبته، أو حين يمدح هرمًا.
وربما كان تكرار القاف في القافية في مطلع القصيدة في قوله:
إن الخليط أجد البين فانفرقا ... وعلق القلب من أسماء ما علقا
وهو ما يسمى بالتصريع ما يمهد للروي، ويعد الأذن لسماعه أو توقعه كما أن حرف المد الذي جاء بعد الروي يعطي للمنشد فرصة لاستغلال مواهبه الصوتية استغلالا ينشر في الجو ضجة وجلبة شديدين.
وقد صرع الشاعر في أول القصيدة شأن الفحول من الشعراء المجودين قديما وحديثا، وامتدح قدامة بن جعفر التصريع، واعتبره دليل تمكن الشاعر من فنه حين قال: وإنما يلجأ الشعراء المطبوعون إلى ذلك -أي التصريع- لأن بنية الشعر إنما هو التصريع والتقفية، فكلما كان الشعر أكثر اشتمالا عليه كان أدخل له في باب الشعر، وأخرج له عن مذهب النثر١ والتصريع ليس إلا ضربا من الموازنة
١ نقد الشعر: صـ٥٨ تحقيق كمال مصطفى ط الخانجي سنة ١٩٧٨.