للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتعادل بين العروض والضرب، يتولد منها جرس موسيقي رخيم، ولذلك كان من أمس الحلي البديعية والشعر وأقربها إليه نسبا.

ونحن حين نرهف آذاننا لإنشاد الشعر، فأول ما نتشوق إليه ونترقبه فيه هذا التصريع الذي يشبه مقدمة موسيقية خفيفة قصيرة، تلهب إحساسنا وتهيئنا لاستماع الشعر، فإن أغفله أو أتى به رديئا أو ركيكا خيل إلينا أن شيئا من الجمال ترك مكانه شاغرا١.

ولم يفت الشعراء أن يشيدوا بمنزلة التصريع، وينوهوا بقيمته، فهذا أبو تمام يقول من قصيدته في مدح أبي سعيد الطوسي٢:

وتقفو لي الجدوى بجدوى وإنما ... يروقك بيت الشعر حين يصرع.

وشعر زهير يمتاز بتهذيب البنية والبراعة في صياغة الأساليب، فحين نراه يؤثر الفعل المضارع على الماضي في قوله: قامت تبدي بذي ضال لتحزنني يعطي إشارة تدل على تكرار الفعل تبدي وتجدد حدوثه منها، وكذلك في قوله:

لتحزنني وكأن حزنه لفراقها ... وألمه لبينها دائم لا ينقطع.

وهذه الدلالة نفسها هي ما نلحظها حين عبر عن تحننه وعشقه بالمضارع في قوله: ولا محالة أن يشتاق من عشقها ويعبر زهير عن ضعفه أمام سطوة حبها وتياره الجارف الذي يعجز عن مقاومته بأن قلبه قد رحل معها وصار رهينا عندها، ليوحي بحبه الخالص، وشوقه العارم، ثم يصف هذا الرهن بأنه لا فكاك له في قوله: وفارقتك برهن لا فكاك له ليكثف الصورة، فلم يكتف بأنها أسرت قلبه، وإنما أردفه بهذا النعت ليحدد الإطار ويبين أبعاد هذا الحب.


١ يراجع: الشعراء وإنشاد الشعر للأستاذ على الجندي صـ ١٧٤ ط دار المعارف بمصر سنة ١٩٦٩.
٢ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي المجلد الثاني: صـ ٣٢٢ تحقيق محمد عبده عزام ط الثالثة دار المعارف بمصر.

<<  <   >  >>