للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يدل لذلك ما وصف به الكلاب بعد أن يئست من الحصول على الطعام فقد تذرعت بالصبر وللصبر إن لم ينفع الشكو أجمل, وصبرها هذا شبيه بصبره السابق على الجوع حتى نسيه وأضرب عنه الذكر صفحا فأذهل.

وتتضح قدرة الشاعر على التصوير والوفاء بحق المعنى حين جعل الثواكل في قوله من الذئب والذئاب الرفاق:

فضج وضجت بالبراح كأنها ... وإياه نوح فوق علياء ثكل

جعلها تنوح على شاهق الأرض ليساعد على انتشار الصوت وسرعته, ولعله لاحظ أن أصوات الذئاب عالية في عوائها فهي صورة مركبة حفلت بالتفاصيل تغلب عليها ملامح القصة, بل من الممكن أن تسلك في عداد القصص النفسية التي يعرفها العصر الحديث.

وليس من البعيد أن يكون امرؤ القيس قد تأثر من الناحية الفنية بالأسلوب القصصي عند الصعاليك فحاول تقليده في شعره ثم اتخذه مذهبا، وإذن فليس امرؤ القيس أول من اصطنع القصة الشعر العربي، بل هم الشعراء الصعاليك١.

٧ وتلقانا صورة أخرى من صور المعاناة والمكابدة التي يلقاها الشنفرى حين يزاحم القطا للحصول على الماء، فإذا كان مشهد


١ الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي د/ يوسف خليف ص ٢٨١.

<<  <   >  >>