ومازال الشاعر يناقش من يلومه على الشراب ويجادله ويسوق إليه الحجة على صحة ما ذهب إليه فيقول: إنني كريم أروي نفسي من الخمرة في حياتي وستعلم يا من تلحاني في الشراب إذا اختطفنا الموت غدا أينا الظمآن وأينا الريان.
وكأنه يقارن بين رجلين: أحدهما شرب من الحياة وعب منها حتى ارتوى، والآخر أخذ نفسه بالظمأ والحرمان واحتمال الصدى، أما الأول فربما وجد أثر الري بعد موته على خلاف صاحبه الذي حرم نفسه أثناء الحياة، وكأنه ضم إلى حرمانه حال الحياة ظمأه بعد الممات.
ويوالي سرد حججه على صحة فلسفته التي تسير في اتجاهين:
أولهما: تحقيق النفع للناس بإغاثة الملهوف ونجدة الصريخ وشهوده الوقائع والحروب، فهو يبذل للناس ماله ونفسه، وثانيهما: الاستجابة لملذات الحياة ومسراتها بالإقبال على متعه الشخصية فيقول: إنني أرى قبر الحريص الممسك لماله وقبر من ينفق ماله في لذاته وهواه متساويين في أن كلا منهما يوضع عليه كومة من التراب وقطع من الأحجار العراض، لا يفرق بينهما أن أحدهما يضم رجلا قد حرص على المال فأبقاه, وأن الآخر قد طابت نفسه عن ماله فأتلفه، فالذين يرثون مال البخيل كالذين يرثون إعدام الكريم، لا يستطيعنون أن يغيروا ما بين القبرين من الشبه ولا أن يمحوا ما بينهما من المساواة.
فالبخيل إذًا لا يستفيد شيئا ببخله، كما لا يخسر المسرف شيئا بإسرافه بل على العكس فقد أمتع نفسه وأشبع حاجته.