وعلى الإنسان أن يغتنم فرصة الحياة قبل أن يهجم عليه الموت الذي لا يبقي على شيء إذ يختار كرام الناس وشرفاءهم الذين ندخرهم للشدائد ونفع الآخرين كما يختار أكرم مال للبخيل وأنفسه، ولذلك كان من الخير له أن ينفقه في ملذاته بدل أن يضيع بين يديه ويذهب سدى، فلا معنى للحرص على الحياة وعلى المال، لأنه حرص على ما هو ضائع لا محالة.
ويوالي الحديث عن فلسفته التي اقتنع بها فيقول: إن العيش والحياة في نقص مستمر لأن الأيام والليالي تأخذ منها، وما تأخذ منه الأيام والليالي لا بد أن يفنى فعاجل لذاتك وبادر أمانيك.
على أن الإنسان ليس مطلق الحرية في هذه الحياة، وإنما هو مربوط بالموت لا يفلت منه ولا يخطئه، بل يمهله إلى حين ثم ينقض عليه، فالموت في تركه الفتى وإمهاله إياه شبيه بالحبل الذي تربط به قوائم الدابة ثم تترك في الكلأ ترعاه، فإن شئت تركت لها الحبل وإن شئت أمسكتها عن الكلأ بشدة، ولعل في هذا ما يوحي بتسلط الموت على الإنسان كتسلط صاحب الدابة عليها، وإذا كان الأجل آتيا لا محالة، فخير للإنسان أن يحقق ذاته في حياته فيصيب من اللذائذ ما يشتهي