للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التحليل:

ثم أخذ في تصوير حالته النفسية ساعة الفراق، فقد اضطربت نفسه واستبد بها الألم، وغرقت عيناه في الدمع، وكأنهما لكثرة دموعهما مغمورتان في دلوين عظمين مملوءين بالماء، تخرجهما من البئر ناقة مذللة عودت هذا العمل وأجادته، والماء يفيض من جوانب الدلوين، فيسقي بستانا من النخيل، متباعد الأقطار متعدد النواحي اشتدت حاجته للماء ثم أخذ في الحديث عن هذه الناقة والسائق الذي يحدو من ورائها، ويغني لها تجديدًا لنشاطها، واستخراجًا لما تدخره من قوتها، فإذا ما أحست بدنوه منها اجتهدت في سيرها وأسرعت في جريها فمدت عنقها وصلبها لتنجو منه.

وهناك القائم على فم البئر الذي يتناول الدلو ويستقبله، ثم يفرغه في الجدول وهو يشدو بصوته، ويرسل أنغامًا عذبة تشحذ همته، وتنسيه مشقة هذا العمل، وتزيل عنه ما قد يصيبه من سأم أو ملل، وحين يصب الماء في الجدول ويجري في الحفر التي في أصول النخل تفزع الضفادع وتثب وثوب الجواري في ملاعبها، وتعلو الجزوع مشفقة حين تتكسر صفحة الماء طرائق وكأنها تخاف غما يلحقها، أو غرقا يلم بها.

<<  <   >  >>