جعل الناس يصلون فهيا جماعات جماعات تراويح يقرأون فيها بفاتحة الكتاب وبقل هو الله أحد عشر مرات في كل ركعة إلى أن يكلموا خمسين تسليمة بمائة ركعة، قد قدمت كل جماعة إماما وبسطت الحصر وأوقدت الشمع وأشعلت المشاعل وأسرجت المصابيح ومصباح السماء الأزهر الأقمر قد أفاض نورده على الأرض وبسط شعاعه فتلاقت الأنوار في ذلك الحرم الشريف الذي هو نور بذاته فيا لك مرأى لا يتخيله المتخيل ولا يتوهمه المتوهم! فأقام الناس تلك الليلة على أقسام فطائفة التزمت تلك التراويح مع الجماعة وكانت سبع جماعات أو ثمانيا وطائفة التزمت الحجر المبارك للصلاة على انفراد وطائفة خرجت للاعتمار وطائفة آثرت الطواف على هذا كله أغلبها المالكية فكانت من الليالي الشهيرة المأمولة أن تكون من غرر القربات ومحاسنها نفع الله بها ولا أخلى من بركتها وفضلها وأوصل إلى هذه المثابة المقدسة كل شيق إليها بمنه.
وفي تلك الليلة المباركة شاهد أحمد بن حسان منا أمرا عجيبا هو من غرائب الأحاديث المأثورات في رقة النفوس وذلك إنه أصابه النوم عند الثلث الباقي من الليل فأوى إلى المصطبة التي تحف بها قبة زمزم مما يقابل الحجر الأسود وباب البيت فاستلقى فيها لينام فإذا بإنسان من العجم قد لجس على المصطبة بإزائه مما يلي رأسه فجعل يقرأ بتشويق وترقيق ويتبع ذلك بزفير وشهيق أحسن قراءة وأوقعها في النفوس وأشدها تحريكا للساكن فامتنع المذكور من المنام استمتاعا بحسن ذلك المسموع وما فيه من التشويق والتخشيع إلى أن قطع القراءة وجعل يقول:
إن كان سوء الفعال ابعدني
...
فحسن ظني إليك قربني
ويردد ذلك بلحن يتصدع له الجماد وينشق عليه الفؤاد ومضى في ترديد ذلك البيت ودموعه تكف وصوته ترق وتضعف١ إلى أن وقع في نفس أحمد