للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابن حسان المذكور أنه سيغشى عليه فما كان بين اعتراض هذا الخاطر في نفسه وبين وقوع الرجل مغشيا عليه من المصطبة إلى الأرض إلا كلا ولا١ وبقي ملقى كأنه لقى٢ لا حراك به. فقام ابن حسان مذعورا لهول ما عاينه مترددا في حاية الرجل أو موته لشدة تلك الوجبة٣ والموضع من الأرض بائن الارتفاع وقام أحد من كان بإزائه نائما وأقاما متحيرين ولم يقدما على تحريك الرجل ولا على الدنو منه إلى أن اجتازت أمرأة أعجمية وقالت: هكذا تتركون هذا الرجل على مثل هذا الحال؟ وبادرت إلى شيء من ماء زمزم فنضحت به وجهه ودنا المذكوران منه وأقاماه فعند ما أبصرهما زوى وجهه للحين

عنهما مخافة أن تثبت له صفة في أعينهما وقام من فوره أخذا إلى جهة باب بنى شيبة. وبقيا متعجبين مما شاهداه وعض ابن حسان بنان الأسف على ما فاته من بركة دعائه إذ لم يمكنه الحال استدعاءه منه وعلى أنه لم تثبت له صورة في نفسه فكان يتبرك به متى لقيه.

ومقامات هؤلاء الأعاجم في رقة الأنفس وتأثرها وسرعة انفعالها وشدة مجاهداتها في العبادات وطول مثابرتها على أفعال البر وظهور بركاتها مقامات عجيبة شريفة والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.

وفي سحر يوم الخيمس الثالث عشر من الشهر المذكور كسف القمر وانتهى الكسوف منه إلى مقدار ثلثيه وغاب مكسوفا عند طلوع الشمس والله يلهمنا الاعتبار بآياته.


١ كلا ولا: أي مدة قليلة أو لحظة.
٢ اللقى: الشيء المطروح.
٣ الوجبة: السقطة.

<<  <   >  >>