ثم كانت ليلة خمس وعشرين فكان المختتم فيها الإمام الحنفي وقد أعد ابنا له لذلك سنه نحو من سن الخطيب الأول المذكور فكان احتفال الإمام الحنفي لابنه في هذه الليلة عظيما احضر فيها من ثريات الشمع أربعا مختلفات الصنعة منها مشجرة مغصنة مثمرة بأنواع الفواكه الرطبة واليابسة ومنها غير مغصنة فصففت إمام حطيمه وتوج الحطيم بخشب وألواح وضعت أعلاه وجلل ذلك كله سرجا ومشاعيل وشبحا فاستنار الحطيم كله حتى لاح في الهواء كالتاج العظيم من النور وأحضر الشمع في أتوار١ الصفر ووضع المحراب العودى المشرجب فجلل دائرة الأعلى كله شمعا وأحدق الشمع في الأنوار به فاكتنفته هالات من نور ونصب المنبر قبالته مجللا أيضا بالكسوة الملونة. واحتفال الناس لمشاهدة هذا المنظر النير أعظم من الاحتفال الأول. فختم الصبي المذكور ثم برز من محرابه إلى منبره يسحب أذيال الخفر في أثواب رائقة المنظر فتسور منبره واشار بالسلام على الحاضرين وابتدأ خطبته بسكينة ولين ولسان على حالة الحياء مبين فكأن الحال على طفولتها كانت أوقر من الأولى واخشع والموعظة أبلغ والتذكرة أنفع.
وحضر القراء بين يديه على الاسم الأول وفي أثناء فصول الخطبة يبتدرون القراءة فيسكت خلال إكمالهم الآية التي انتزعوهات من القرآن ثم يعود إلى خطبته. وبين يديه في درجات المنبر طائفة من الخدمة يمسكون أنوار الشمع بأيديهم ومنهم من يمسك المجمرة يسطع بعرف العود الرطب الموضوع فيها مرة بعد أخرى فعند ما يصل إلى فصل من تذكير أو تخشيع رفعوا أصواتهم بيارب يا رب يكررونها ثلاثا أو أربعا وربما جاراهم في النطق بعض الحاضرين إلى أن فرغ من خطبته ونزل وجرى الإمام اثره على الرسم من الإطعام لمن حضر من أعيان المكان إما باستدعائهم إلى منزله تلك الليلة أو بتوجيه ذلك إلى منازلم.