البيت المكرم. وحف المقام الكريم بمحراب من الأعواد المشرجبة المخرمة محفوفة الأعلى بمسامير حديدة الأطراف على الصفة المذكورة جللت كلها شمعا وصنب عن يمين المقام ويساره شمع كبير الجرم في أنوار تناسبها كبرا وصفت تلك الأنوار على الكراسي التي يصرفها السدنة مطالع عند الايفاد وجلل جدار الحجر المكرم كله شمعا في أنوار من الصفر فجاءت كأنها دائرة نور ساطع واحدقت بالحرم المشاعيل واوقد جميع ما ذكر.
واحدق بشرفات الحرم كلها صبيان مكة وقد وضعت بيد كل واحد منهم كرة من الخرق المشبعة سليطا١ فوصفوها متقدة في رؤوس الشرفات وأخذت كل بالواحد طائفة منهم ناحية من نواحيها الأربع فجعلت كل طائفة تبارى صاحبتها في سرعة ايقادها فيخيل للناظر أن النار تثب من شرفة إلى شرفة لخفاء اشخاصهم وراء الضوء المرتمي الأبصار وفي أثناء محاولتهم لذلك يرفعون اصواتهم بيارب يا رب على لسان واحد فيرتجج الحرم لأصواتهم.
فلما كمل ايقاد الجميع بما ذكر كاد يغشى الأبصار شعاع تلك الأنوار فلا تقع لمحة طرف إلا على نور تشغل حاسة لبصر عن استمالة النظر فيتوهم المتوهم لهول ما يعانيه من ذلك أن تلك الليلة المباركة نزهت لشرفها عن لباس الظلماء فزينت بمصابيح السماء.
وتقدم القاضي فصلى فريضة العشاء الآخرة ثم قام وابتدأ بسروة القدر وكان أئمة الحرم في الليلة قبلها قد انتهوا في القراءة إليها وتعطل في تلك الساعة سائر الأئمة من قراءة التراويح تعظيما لختمة المقام وحضروا متبركين بمشاهدتها.
وقد كان المقام المطهر أخرج من موضعه المستحدث في البيت العتيق حسبما تقدم الذكر أولا له فيما سلف من هذا التقييد وووضع في محله الكريم المتخذ مصلى مستورا بقبته التي يصلى الناس خلفها فتختم القاضي