قطعوا الطريق من مكة إلى المدينة في يسير أيام ومن صحبهم من الحاج حمد صحبتهم وفي أثناء مغيبهم وصلت طوائف أخر منهم للحج خاصة لضيق الوقت عن الزيارة فأقاموا بمكة ووصل الزوار منهم فضاق بهم المتسع.
فلما كان يوم الإثنين السابع والعشرين من الشهر المذكور فتح البيت العتيق وتولى فتحه من الشيبيين ابن عم الشيبي المعزول هو امثل طريقة منه على ما يذكر فازدحم السرو للدخول على العادة فجاءوا بأمر لهم يعهد فيما سلف يصعدون افواجا حتى يغص الباب الكريم بهم فلا يستطيعون تقدما ولا تأخرا إلى أن يلجوا على أعظم مشقة ثم يسرعون الخروج فيضيق الباب الكريم بهم فينحدرا لفوج منهم على المصعد وفوج آخر صاعده فيلتقيه وقد ارتبط بعضهم إلى بعض فربما حمل المنحدرون في صدور الصاعدين وربما وقف الصاعدون للمنحدرين وتضاغطوا إلى أن يميلوا فيقع البعض على البعض فيعاين النظارة منهم مرأى هائلا فمنهم سليم وغير سليم وأكثرهم إنما ينحدرون وثبا على الرؤوس والأعناق.
ومن أعجب ما شاهدناه في يوم الإثنين المذكور أن صعد بعض من الشيبيين أثناء ذلك الزحام يرومون الدخول إلى البيت الكريم فلم يقدروا على التخلص فتعلقوا بأستار حافتي عضادتي الباب ثم إن أحد هم تمسك بإحدى الشرائط القنبية الممسكة للاستار إلى أن علا الرؤوس والأعناق فوطئها ودخل البيت فلم يجدموطئا لقدمه سواها لشدة تراصهم وتراكمهم وانضمام بعضهم إلى بعض وهذا الجمع الذي وصل منهم في هذا العام لم يعهد قط مثله فيما سلف من الاعوام ولله القدرة المعجزة لا إله سواه.
وفي هذا اليوم المذكور الذي هو السابع والعشرون من ذي القعدة شمرت أستار الكعبة المقدسة إلى نحو قامة ونصف من الجدر من الجوانب الأربعة ويسمون ذلك احراما لها فيقولون: أحرمت الكعبة وبهذا جرت العادة دائما في الوقت المذكور من الشهر ولا تفتح من حبن إحرامها إلا بعد الوقفة.