للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هولا يملأ الفنوس إنابة وندامة ويذكرها هول يوم القيامة فلو لم نركب ثبج البحر ونعتسف مفازات القفز إلا لمشاهدة مجلس من مجالس هذا الرجل لكانت الصفقة الرابحة والوجهة المفلحة الناجحة والحمد لله على أن من بلقاء من يشهد الجمادات بفضله ويضيق الوجود عن مثله.

وفي أثناء مجلسه ذلك يبتدرون المسائل وتطير إليه الرقاع فيجاوب أسرع من طرفة عين روبما كان أكثر مجلسه الرائق من نتائج تلك المسائل والفضل بيدالله يؤتيه من يشاء لا إله سواه.

ثم شاهدنا مجلسا ثانيا له بكرة يوم الخميس الحادي عشر لصفر بباب بدر في ساحة قصور الخليفة ومناظره مشرفة عليه وهذا الموضع المذكور هو من حرم الخليفة خص بالوصول إليه والتكلم فيه ليسمعه من تلك المناظر الخليفة ووالدته ومن حضر من الحرم ويفتح الباب للعامة فيدخلون إلى ذلك الموضع وقد بسط بالحصر وجلوسه بهذا الموضع كل يوم خميس. فبكرنا لمشاهدته بهذا المجلس المذكور وقعدنا إلى أن وصل هذا الحبر المتكلم فصعد المنبر وأرخى طيلسإنه عن رأسه تواضعا لحرمة المكان قود تسطر القراء امامه على كراسي موضوعة فابتدروا القراة على الترتيب وشوقوا ما شاءوا واطربوا ما أرادوا وبادرت العيون بارسال الدموع. فلما فرغوا من لاقراءة وقد احصينا لهم تسع آيات من سور مختلفات صدع بخطبته الزهراء الغراء وأتى بأوائل الآيات في أثنائها منتظمات ومشى الخطبة على فقرة آخر آية منها في الترتيب إلى أن أكلمها وكانت الآية {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ١} فتمادى على هذا السين٢ وحسن أي تحسين كفان يومه في ذلك أعجب من أمسه ثم أخذ في الثناء على الخليفة والدعاء له ولوالدته وكنى عنها بالستر


١ سورة غافر، الآية ٦١.
٢ أي في الكلام المسجوع بحرف السين.

<<  <   >  >>