الأشرف والجناب الأرأف ثم سلك سبيله في الوعظ كل ذلك بديهة لا روية ويصل كلامه في ذلك بالآيات المقروءات على النسق مرة أخرى فأرسلت وابلها العيون وابدت النفوس سر شقها المكنون وتطارح الناس عليه بذنوبهم معترفين وبالتوبة معلنين وطاشت الألباب والعقول وكثر الوله والذهول وصارت النفوس لا تملك تحصيلا ولا تميز معقولا ولا تجد للصبر سبيلا.
ثم في أثناء مجلسه ينشد بأشعار من النسيب مبرحة التشويق بديعة الترقيق تشعل القلوب وجدا ويعود موضعها النسيبي زهدا وكان آخر ما انشده من ذلك وقد أخذ المجلس مأخذه من الاحترام وأصابت المقاتل سهام ذلك الكلام:
أين فؤادي أذابه الوجد
...
وأين قلبي فما صحا بعد
يا سعد زدني جوى بذكرهم
...
بالله قل لي فديت يا سعد
ولم يزل يرددها والانفعال قد اثر فيه والمدامع تكاد تمنع خروج الكلام من فيه إلى أن خاف الافحام فابتدر القيام ونزل عن المنبر دهشا عجلا وقد أطار القلوب وجلا وترك الناس على احر من الجمر يشيعونه بالمدامع الحمر فمن معلن بالانتحاب ومن متعفر في التراب فياله من مشهد ما أهول مرآه وما أسعد من رآه نعفنا الله ببركته وجعلنا ممن فاز به بنصيب من رحمته بمنه وفضله.
وفي أول مجلسه انشد قصيدا نير القبس عراقي النفس في الخليفة أوله: