مفتح كله بيوتا وغرفا لها طيقان يتصل بعضها ببعض وقدامتد بطول الجدار عريش كرم مثمر عنبا فحصل لكل طاق من تلك الطيقان قسطها من ذلك العنب متدليا إمامها فيمد الساكن فيها يده ويجتنيه متكئا دون كلفة ولا مشقة. وللبلدة سوى هذه المدرسة نحو أربع مدارس أو خمس ولها مارستان.
وأمرها في الاحتفال عظيم فهي بلدة تليق بالخلافة وحسنها كله داخل لا خارج لها إلا نهير يجري من جوفيها إلى قبيلها ويشق ربضها المستدير بها فإن لها ربضا كبيرا فيه من الخانات ما لايحصى عدده وبهذا النهر الأرحاء وهي متصلة بالبلد وقائمة وسط ربضه وبهذا الربض بعض بساتين تتصل بطوله. وكيفما كان الأمر فيه داخلا وخارجا فهو من بلاد الدنيا التي لا نظير لها والوصف فيه يطول.
فكان نزولنا بربضه في خان يعرف بخان أبي الشكر فأقمنا به أربعة أيام ورحلنا ضحوة يوم الخيمس السابع عشر لربيع المذكور والثامن والشعرين ليونيه ووصلنا قنسرين قبيل العصر فأرحنا بها قليلا ثم انتقلنا إلى قرية تعرف بتل تاجر فكا نمبيتنا بها ليلة الجمعة الثامن عشر منه.
وقنسرين هذه هي البلدة الشهيرة في الزمان لكنها خربت وعادت كأن لم تغن بالأمس فلم يبق إلا آثارها الدارسة ورسومها الطامسة ولكن قراها عامرة منتظمة لأنها على محرث عظيم مد البصر عرضا وطولا وتشبهها من البلاد الأندلسية جيان ولذلك يذكر أن أهل قنسرين عند استفتاح الأندلس نزلوا جيان تأنسا بشبه الوطن وتعللا به مثل ما فعل في أكثر بلادها حسب ما هو معروف.
ثم رحلنا من ذلك الموضع عند الثلث الماضي من الليل فأسرينا وسرنا إلى ضحوة من النهار ثم نزلنا مريحين بموضع يعرف بباقدين في خان كبير يعرف بخان التركمان وثيق الصحانة وخانات هذا الطريق كأنها القلاع امتناعا وحصانة وأبوابها حديد وهي من الوثاقة في غاية. ثم رحلنا من هذا الموضع