للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ظل ولا ثمر فهي تشتكي ظماءها وتسقى على البعد ماءها فيجلب لها من نهيرها العاصي وهي منها بنحو مسافة الميل وعليه طرة بساتين تجتلى العين خضرتها وستغرب نضرتها ومنبعه في مغارة بصفح جبل فوقها بمرحلة بموضع يقابل بعلبك اعادها الله وهي عن يمين الطريق إلى دمشق.

وأهل هذه البلدة موصوفون بالنجدة والتمرس بالعدو لمجاورتهم إياه وبعدهم في ذلك أهل حلب فأحمد خلال هذه البلدة هواؤها الرطب ونسيمها الميمون تخفيفه وتجسيمه فكأن الهواء النجدي في الصحة شقيقه وقسيمه.

وبقبلي هذه المدينة قلعة حصينة منيعة عاصية غير مطيعة قدتميزت وانحازت بموضوعها عنها وبشرقيها جبانة فيها قبر خالد بن الوليد رضى الله عنه هو سيف الله المسلول ومعه قبر ابنه عبد الرحمن وقبر عبيد الله بنعمر رضى الله عنهم. وأسوار هذه المدينة في غاية العتاقة والوثاقة مرصوص بناؤها بالحجارة الصم السود وأبوابها أبواب حديد سامية الأشراف هائلة المنظر رائعة الأطلال والأنافة تكتنفها الابراج المشيدة الحصينة وأما داخلها فما شئت من بادية شعثاء١ خلقة الأرجاء ملفقة البناء لا إشراق لآفاقها ولا رونق لأسواقها كاسدة لاعهد لها بنفاقها. وما ظنك ببلد حصن الأكراد منه على اميال يسيرة وهو معقل العدو فهو منه تتراءى ناره ويحرق إذا يطير شراره ويتعهد إذا شاء كل يوم مغاره.

وسألنا أحد الأشياخ بهذه البلدة: هل فيها مارستان على رسم مدن هذه الجهات؟ فقال: وقد أنكر ذلك حمص كلها مارستان وكفاك تبيينا شهادة أهلها فيها وبها مدرسة واحدة، وتجد في هذه البلدة عند إطلالك عليها من بعد في بسيطها ومنظرها وهيئة موضوعها بعض شبه بمدينة إشبيلية من بلاد الأندلس يقع للحين في نفسك خياله وبهذا الاسم سميت في القديم وهي العلة التي


١ شعثاء: مغبرة.

<<  <   >  >>