حالة ترفيه نعوذ بالله من الفتنة وذلك أنهم يؤدون لهم نصف الغلة عند أوان ضمها وجزية على كل رأس دينار وخمسة قراريط ولا يعترضونهم في غير ذلك ولهم على ثمر الشجر ضريبة خفيفة يؤدونها أيضا ومساكنهم بأيديهم وجميع أحوالهم متروكة لهم. وكل ما بأيدي الإفرنج من المدن بساحل الشام على هذه السبيل رساتيقهم كلها للمسلمين وهي القرى والضياع وقد أشربت الفتنة قلوب أكثرهم لما يبصرون عليه إخوانهم من أهل رساتيق المسلمين وعمالهم لأنهم على ضد أحوالهم من الترفيه والرفق وهذه من الفجائع الطارئة على المسلمين: أن يشتكى الصنف الإسلامي جور صنفه المالك له ويحمد سية ضده وعدوه المالك له من الإفرنج ويأنس معدله فإلى الله المشتكى من هذه الحال وحسبنا تعزية وتسلية ما جاء في الكتاب العزيز: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ١} .
فنزلنا يوم الإثنين المذكور بضيعة من ضياع عكة على مقدار فرسخ ورئيسها الناظر فيها من المسلمين مقدم من جهة الإفرنج على من فيها من عمارها من المسلمين فأضاف جميع أهل القافلة ضيافة حفيلة واحضرهم صغيرا وكبيرا في غرفة متسعة بمنزلة وأنالهم ألوانا من الطعام قدمها لهم فعمهم بتكرمته. وكنا فيمن حضر هذه الدعوة.
وبتنا تلك الليلة وصبحنا يوم الثلاثاء العاشر من الشهر المذكور وهو الثامن عشر لشتنبر مدينة عكة دمرها الله وحملنا إلى الديوان وهو خان معد لنزول القافلة وأمام بابه مصاطب مفروشة فيها كتاب الديوان من النصارى بمحابر الآبنوس المذهبة الحلى وهم يكتبون بالعربية ويتكلمون بها ورئيسهم صاحب الديوان والضامن له يعرف بلاصاحب لقب وقع عليه لمكإنه من الخطة وهم يعرفون به كل محتشم متعين عندهم من عير الجند وكل ما يجبى