أما الجعد بن درهم الذي كان يقال إنه معلم مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية وكان يقال له الجعدي نسبة إلى الجعد فإنه قتله خالد القسري؛ ضحى به بواسط يوم النحر وقال:(أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما تعالى الله عما يقول الجعد علوّا كبيرا) ثم نزل فذبحه.
وكانوا أول ما أظهروا بدعتهم قالوا: إن الله لا يتكلم ولا يكلم كما حكى عن الجعد وهذه حقيقة قولهم.
فكل من قال القرآن مخلوق فحقيقة قوله: إن الله لم يتكلم ولا يكلم ولا يأمر ولا ينهى ولا يحب فلما رأوا ما في ذلك من مخالفة القرآن والمسلمين قالوا:
إنه يتكلم مجازا، يخلق شيئا يعبر عنه لا أنه في نفسه يتكلم، فلما شنع المسلمون عليهم قالوا: يتكلم حقيقة ولكن المتكلم هو من أحدث الكلام وفعله ولو في غيره، فكل من أحدث كلاما ولو في غيره كان متكلما بذلك الكلام حقيقة وقالوا:
المتكلم من فعل الكلام لا من قام به الكلام، وهذا الذي استقر عليه قول المعتزلة وهم يموهون على الناس فيقولون أجمع المسلمون على أن الله متكلم ولكن اختلفوا في معنى المتكلم هل هو من فعل الكلام أو من قام به الكلام وما زعموه من أن المتكلم يكون متكلما بكلام قائم بغيره قول خرجوا به عن العقل والشرع واللغة.
وكان قدماء الصفاتية من السلف والأئمة والكلابية والكرامية والأشعرية يحققون هذا المقام، ويثبتون ضلال الجهمية من المعتزلة وغيرهم فيه، ولكن الرازي ونحوه أعرض عنه وقال: هذا بحث لفظي وزعم أنه قليل الفائدة ثم سلك مسلكا ضعيفا في الرد عليهم قد بيناه في غير هذا الموضع.
وهذا غلط عظيم جدّا من وجهين:
أحدهما: أن المسألة إذا كانت سمعية وأنت إنما أثبت أنه متكلم بأن الرسل بلغت أمره ونهيه الذي هو كلامه كان من تمام ذلك البحث عن مراد الرسل بكونه آمرا ناهيا متكلما هل مرادهم بذلك أنه خلق كلاما في غيره أو أنه قام به، كلام تكلم به والدلائل السمعية مقرونة بالبحث عن ألفاظ الرسل ولغاتهم التي بها خاطبوا الخلق فصارت هذه المقدمة هي الركن المعتمد في الرد على المعتزلة كما سلكه قدماء الصفاتية وأئمتهم بل هي الركن المعتمد في معنى كونه متكلما إذا ثبت ذلك بالطرق السمعية.