للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قيل: المعتزلة في ذلك على قولين منهم من يثبت ذلك ومنهم من ينفيه على أن ما ذكره ليس فيه ما يدل على إثبات هذه الأمور، وإنما فيه الإقرار بكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه الأمور، ليس في المعتزلة ولا غيرهم من المسلمين من يقول لا أقر بما أخبر به الرسول، بل كل مسلم يقول إن ما أخبر به الرسول فهو حق يجب تصديقه به.

وكل المسلمين من أهل السنة والبدعة يقولون: آمنت بالله، وما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله، فإنه متى لم يقر بهذا فهو كافر كفرا ظاهرا، ولا يتميز بهذا القول المجمل مذهب أهل السنة عن غيرهم، ولهذا لا يكتفي إمام من أئمة السنة بمجرد هذا، ومن نقل عن الشافعي وغيره أنه اكتفى بهذا فقد كذب عليه، وإنما هذا قول بعض المتأخرين وهو قول صحيح لا يخالف فيه إلا كافر لكن العلم بالسنة مفصلا مقام آخر، فالمبتدع إذا نازع السني لا ينازعه في تصديق الرسول في كل ما أخبر به لكن ينازعه هل أخبر بذلك الرسول أم لا؟

وهل خبره على ظاهره أم لا؟ وهو لم يثبت لا هذا ولا هذا، إذ هما من علم النقل ودلالة الألفاظ وليس فيما ذكره شيء من هذا وهذا.

كما أن كلامه في التوحيد ليس مبنيّا على أصول الأشعرية ولا أصول المعتزلة بل على أصول المتفلسفة فهو متردد بين الفلسفة والاعتزال وأخذ من بحوث المنتسبين إلى الأشعرية كالرازي ونحوه ما قد يقوله هؤلاء وهؤلاء.

وكذلك يحكي عنه خواص أصحابه أنه كان في الباطن يميل إلى ذلك وقد ظهر ذلك في خواص المحدثين من أصحابه كالقشيري وغيره، ومعلوم أنه تكلم بمبلغ علمه وحسب اجتهاده ونهاية عقله وغاية نظره.

ولكن المقصود أن تعرف المقالات والمذاهب وما هي عليه من الدرجات والمراتب، ليعطى كل ذي حق حقه ويعرف المسلم أين يضع رجله.

إذا تبين هذا فنحن ننبه على ما يتميز به أهل السنة عن المعتزلة ومن هو أبعد عن الحق منهم كالمتفلسفة فنقول: إذا ثبت بهذا الدليل أنه سبحانه متكلم وثبت أن الرسل أخبروا بذلك فنقول الذي أخبرت به الرسل أنه متكلم بكلام قائم بنفسه، هذا هو الذي نبينه وهذا هو الذي فهمه عنهم أصحابهم ثم تابعوهم بإحسان بل علموا هذا من دين الرسل بالاضطرار ولم يكن في صدر الأمة وسلفها من ينكر ذلك، وأول من ابتدع خلاف ذلك الجعد بن درهم ثم صاحبه الجهم بن صفوان وكلاهما قتل.

<<  <   >  >>