للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالإحاطة بجميع المطالب، ولا كاشفا للغطاء عن جميع المعضلات.

ثم ذكر مذهب الباطنية وتلبيسهم وأنه ليس معهم شيء من الشفاء المنجي من ظلمات الآراء ثم هم مع عجزهم عن إقامة البرهان عن تعيين الإمام المعصوم صدقناهم في الحاجة إلى التعليم وإلى المعلم المعصوم وأنه هو الذي عينوه.

ثم سألناهم عن العلم الذي تعلموه من هذا المعصوم وعرضنا عليهم إشكالات فلم يفهموها فضلا عن القيام بحلها، فلما عجزوا أحالوا على الإمام الغائب، وقالوا لا بد من السفر إليه، والعجب أنهم ضيعوا عمرهم في طلب المعلم والنجاح في الظفر به، ولم يتعلموا منه شيئا أصلا كالمتضمخ بالنجاسة يتعب في طلب الماء فإذا وجد ما يستعمله بقي مضمخا بالنجاسة.

ومنهم من ادعى شيئا من علمهم، وكان حاصل ما ذكره من ركيك فلسفة فيثاغورس وهو رجل من قدماء الأوائل ومذهبه أول مذاهب الفلاسفة وقد رد عليه أرسطاطاليس بل استدرك كلامه واسترذله وهو المحكي في كتاب رسائل إخوان الصفا وهو على التحقيق حشو الفلسفة.

فالعجب ممن يتعب طول العمر في طلب العلم ثم يتبع لمثل ذلك العلم الركيك المستغث ويظن أنه ظفر بأقصى مقاصد العلوم فهؤلاء أيضا جربناهم وسبرنا باطنهم وظاهرهم، فرجع حاصلهم إلى استدراج العوام وضعفاء العقول ببيان الحاجة إلى المعلم ومجادلتهم في إنكارهم الحاجة إلى التعليم بكلام قوي مفحم، حتى إذا ساعدهم على الحاجة إلى المعلم ساعد، وقال: هات علمه وأفدنا من تعليمه، وقف فقال: الآن إذا سلمت لي هذا فاطلبه فإنما غرضي هذا القدر فقط، إذ علم أنه لو زاد على ذلك لافتضح ولعجز عن حل أدنى المشكلات بل عجز عن فهمه فضلا عن جوابه.

ثم قال: ثم إني لما فرغت من هذه أقبلت بهمتي على طريق الصوفية وعلمت أن طريقهم إنما يتم بعلم وعمل وكان حاصل علمهم قطع عقبات النفس والتنزه عن أخلاقها المذمومة وصفاتها الخبيثة حتى يتوصل بها إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى وتحليته بذكر الله، وكان العلم أيسر عليّ من العمل فابتدأت بتحصيل علمهم من مطالعة كتبهم مثل قوت القلوب لأبي طالب المكي وكتب الحارث المحاسبي والمتفرقات المنثورة عن الجنيد والشبلي وأبي يزيد البسطامي قدس الله أرواحهم وغير ذلك من كلام المشايخ، حتى اطلعت على كثير من مقاصدهم العلمية وحصلت ما يمكن أن يحصل من طريقهم بالتعلم والسماع، وظهر لي أن أخص

<<  <   >  >>