للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نطفة والنطفة من حيوان كذلك كان وكذلك يكون أبدا وهؤلاء الزنادقة.

الصنف الثاني: الطبيعيون: وهم قوم أكثر بحثهم عن عالم الطبيعة وعن عجائب الحيوان والنبات.

إلى أن قال: إلا أن هؤلاء لكثرة بحثهم عن الطبيعة ظهر عندهم لاعتدال المزاج تأثير عظيم في قوام قوى الحيوان به فظنوا أن القوة العاقلة من الإنسان تابعة لمزاجه أيضا وأنها تبطل ببطلان مزاجه فتنعدم ثم إذا انعدمت فلا تعقل إعادة المعدوم كما زعموا فذهبوا إلى أن النفس تموت ولا تعود فجحدوا الآخرة وأنكروا الجنة والنار والقيامة والحساب فلم يبق عندهم للطاعة ثواب ولا للمعصية عقاب، فانحل عنهم اللجام وانهمكوا في الشهوات انهماك الأنعام.

وهؤلاء أيضا زنادقة لأن أصل الإيمان هو الإيمان بالله واليوم الآخر وهؤلاء جحدوا اليوم الآخر، وإن آمنوا بالله تعالى وصفاته.

والصنف الثالث الإلهيون: وهم المتأخرون مثل سقراط وهو أستاذ أفلاطون، وأفلاطون أستاذ أرسطاطاليس، وأرسطاطاليس هو الذي رتب لهم المنطق وهذب لهم العلوم وخمر لهم ما لم يكن مخمرا من قبل، وأوضح لهم ما كان أحجى من علومهم، وهم بجملتهم ردوا على الصنفين الأولين من الدهرية والطبيعية وأوردوا في الكشف عن فضائحهم ما أغنوا به غيرهم وكفى الله المؤمنين القتال بقتالهم، ثم رد أرسطاطاليس على أفلاطون وسقراط ومن كان قبله من الإلهيين ردّا لم يقصر فيه حتى تبرأ عن جميعهم إلا أنه استبقى أيضا من رذائل كفرهم وبدعتهم بقايا لم يوفق للنزوع عنها فوجب تكفيرهم وتكفير متبعيهم من المتفلسفة الإسلاميين كابن سينا والفارابي وأمثالهما، على أنه لم يقم بنقل علم أرسطاطاليس أحد من متفلسفة الإسلاميين كقيام هذين الرجلين وما نقله غيرهما ليس يخلو عن تخبيط وتخليط يتشوش فيه قلب المطالع حتى لا يفهم ومن لا يفهم كيف يرد أو يقبل.

ومجموع ما صح عندنا من فلسفة أرسطاطاليس بحسب نقل هذين الرجلين ينحصر في أقسام: قسم يجب التكفير به، وقسم يجب التبديع به، وقسم لا يجب إنكاره أصلا فلنفصله ...

ثم ذكر أنها ستة أقسام: رياضية ومنطقية وطبيعية وإلاهية وسياسية وخلقية وتكلم على ذلك بما ليس هذا موضعه.

وقد بينا الكلام على ذلك في غير هذا الموضع.

إلى أن قال: ثم إني لما فرغت من علم الفلسفة وتحصيله وتفهيمه وتزييف ما تزيف منه علمت أن ذلك أيضا غير واف بكمال الغرض فإن العقل ليس مستقلّا

<<  <   >  >>